
كشفت السلطات المالية المغربية عن أداء قوي لقطاع التأمين خلال سنة 2024، مقابل استمرار الاختلالات الهيكلية التي تواجه أنظمة التقاعد، رغم التحسن الظرفي المسجل على مستوى بعض المؤشرات. جاء ذلك ضمن تقرير الاستقرار المالي الصادر عن بنك المغرب وهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي والهيئة المغربية لسوق الرساميل، والذي رصد الوضع العام للأسواق والمؤسسات المالية، مبرزًا المعطيات الرئيسية المرتبطة بالتأمينات وأنظمة التقاعد.
بحسب التقرير، واصل قطاع التأمين ديناميته الإيجابية بتحقيقه رقم معاملات ناهز 58,8 مليار درهم، مسجلًا نموًا بنسبة 5,1 في المائة مقارنة مع سنة 2023. وقد توزّع هذا النمو بين فرعي التأمين، إذ ارتفع التأمين على غير الحياة بنسبة 5,2 في المائة، في حين سجل فرع التأمين على الحياة نموًا بنسبة 5 في المائة، مستعيدًا وتيرته بعد تباطؤ حاد بلغ 1,8 في المائة فقط خلال السنة السابقة. كما بلغ صافي الدخل المحاسبي للقطاع 4,4 مليارات درهم، بارتفاع نسبته 2,9 في المائة، مدعومًا بشكل أساسي بالأداء الجيد للأنشطة المالية وغير التقنية.
وأشار التقرير إلى أن معدل العائد على أصول المساهمين استقر عند 9,6 في المائة، في حين عرفت مكاسب رأس المال ارتفاعًا كبيرًا بنسبة 70 في المائة، بفضل تحسن سوق الأسهم وتراجع أسعار الفائدة، ما انعكس إيجابًا على هامش الملاءة المالية الذي بلغ 354,7 في المائة مقارنة بـ330,4 في المائة في السنة السابقة. كما بيّنت اختبارات الضغط المنجزة أن شركات التأمين بالمملكة أظهرت مرونة كبيرة في مواجهة تقلبات السوق والظروف الاقتصادية العامة.
في المقابل، ووفق ما أورده التقرير، واصلت أنظمة التقاعد الأساسية تسجيل اختلالات هيكلية، بالرغم من تسجيل بعض التحسن المؤقت في مؤشرات مالية، خاصة تلك المرتبطة بأنظمة القطاع العام، عقب تنفيذ الشطر الأول من الزيادات في الأجور المتفق عليها في الحوار الاجتماعي ليوم 29 أبريل 2024. واعتبرت السلطات المالية أن ديمومة هذه الأنظمة ما زالت مهددة على المدى البعيد، في ظل تنامي التزاماتها وغياب إصلاحات هيكلية ملموسة. أما فرع التقاعد طويل الأمد التابع للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فقد حافظ على رصيد إيجابي بفضل الدينامية الديمغرافية داخل القطاع الخاص، غير أن التقرير حذر من مخاطر تهدد توازن النظام نتيجة تخفيض تسعيرة الحقوق وتيسير شروط الاستفادة من المعاش أو استرجاع الاشتراكات، ما من شأنه أن يؤثر سلبًا على استدامته مستقبلاً.
واعتبرت السلطات أن الشروع في إصلاح جذري وشامل لأنظمة التقاعد بات مسألة ملحّة، خاصة في ظل الاتفاق على توجهات استراتيجية جديدة، تقوم على إرساء قطبين اثنين، أحدهما عمومي والآخر خاص، بما يسمح بوضع تسعيرة عادلة ومتوازنة وتقليص الالتزامات غير الممولة وضمان الاستمرارية المالية لهذه الأنظمة. وأبرز التقرير أن احتياطات نظام المعاشات المدنية بلغت 57,4 مليار درهم سنة 2024، مسجلة انخفاضًا بنسبة 7,1 في المائة مقارنة مع السنة الماضية، كما تراجع متوسط هذه الاحتياطات بمعدل سنوي قدره 6,4 في المائة خلال الخمس سنوات الأخيرة. وبلغ العجز التراكمي للنظام منذ سنة 2014 ما مجموعه 60,3 مليار درهم، منها 35,3 مليار درهم خلال آخر خمس سنوات فقط.
وفي ما يخص توزيع استثمارات صناديق التقاعد، فقد أشار التقرير إلى أن 54,3 في المائة من الاحتياطات موجهة لسندات ذات دخل ثابت، و34,3 في المائة مستثمرة في الأسهم والحصص الاجتماعية، و10,3 في المائة في أصول عقارية، مع الإشارة إلى أن ودائع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لدى صندوق الإيداع والتدبير بلغت 66,2 مليار درهم، ما يعكس أهمية هذه المؤسسة في تدبير الأموال المخصصة للتقاعد.