الرئيسيةكواليس

نهاية النفوذ: مستشار وابنه وحارسه في قبضة المؤبد

الرباط: عاجل24

في واحدة من أطول المحاكمات الجنائية التي شهدتها محكمة الاستئناف بالرباط، انتهت فصول جريمة قتل شاب عشريني، بصدور حكم نهائي بالسجن المؤبد في حق مستشار جماعي معروف، وابنه، وحارس ضيعته. خمس سنوات من الإنكار والمراوغة، انهارت أخيرًا أمام أدلة لم ترحم.

ليلة الخميس، أسدلت غرفة الجنايات الستار على الملف الذي شغل الرأي العام في سيدي بطاش وسيدي يحيى زعير منذ صيف 2020. ثلاثية المتهمين الرئيسيين — المستشار الجماعي ونائب رئيس جماعة سيدي بطاش، ونجله، وحارسه الشخصي — تلقوا الأحكام المؤبدة بصمت ثقيل. القرار جاء ليؤكد الحكم الابتدائي الصادر قبل عام، بعد أن ثبت للمحكمة، بما لا يدع مجالاً للشك، أنهم يقفون خلف جريمة قتل مدبّرة ومموّهة، انتهت بإخفاء جثة الشاب داخل ضيعة فلاحية، قبل تعليقها في محاولة لإيهام الجميع بأنه انتحار.

ما لم يخرج إلى العلن كثير، لكن بعض الخيوط بدأت تتكشف تدريجيًا من داخل الجلسات المغلقة، وتلك الساعات الطويلة من الاستنطاق والمواجهة. مصادر مطلعة من داخل قاعة المحكمة تؤكد أن المستشار، المعروف بنفوذه المحلي وعلاقاته السياسية، حاول بكل الطرق جر الملف إلى منطقة ضبابية، عبر التشكيك في الرواية الجنائية، واللعب على وتر “الانتحار المفاجئ”.

لكن مواجهة التحقيقات بخبرات الطب الشرعي، وشهادات سكان الدوار، ثم الأدلة التقنية المتعلقة بتعطيل الكاميرات في الضيعة، حولت “الفرضية الانتحارية” إلى قصة غير قابلة للتصديق، بل أقرب إلى الحبكة السيئة في مسلسل مكشوف.

في لحظة ما، ظن المتهمون أن الزمن كفيل بمحو الذاكرة، وأن النفوذ يمكنه أن يغطي الجريمة، خاصة أن المستشار كان يُعرف في منطقته بـ”صاحب الكلمة الثقيلة”، وصاحب اليد الطولى في تدبير ملفات الجماعة.

لكن سقطته كانت فادحة، فقد سقط في تناقضات مكشوفة، هو وابنه، والحارس الذي بدا أضعف حلقة، خاصة حين بدأ يفقد تماسكه خلال الجلسات، وتحديدًا عند مواجهته بشهادات بعض العاملين في الضيعة نفسها.

القضية بدأت صيف 2020، بجثة شاب عُثر عليها معلقة داخل ضيعة المستشار. في البداية، تم الترويج لفكرة الانتحار، لكن ما وراء المشهد كان يُخبر العكس. عائلة الضحية كانت تصرخ منذ اليوم الأول: “ابننا لم ينتحر، بل كان مهددًا”. التهديدات كانت معلومة لدى الجيران، وحتى بعض المنتخبين، لكن الخوف كان سيد الموقف.

التشريح الطبي جاء ليؤكد صحة ما صرخت به الأم المكلومة. آثار الضرب، واختناق لا يتماشى مع “الشنق الذاتي”، فضلاً عن أدلة بيئية أكدت أن الجثة نُقلت، ولم تُعلق في مكانها الأصلي.

الدافع، بحسب ما خلصت إليه بعض شهادات المحيطين، مرتبط بنزاع قديم بين العائلتين. خلافات ترابية، وتبادل اتهامات، وشكايات في الكواليس. الضحية، شاب من مواليد 1996، كان يحاول شق طريقه بعيدًا عن دوامة النفوذ المحلي، لكنه ـ كما صرحت أسرته ـ كان يتعرض لمضايقات متكررة، وتلقى تهديدات بتصفيته.

اليوم، بعد خمسة أعوام من المتابعة، تقرر العدالة إسدال الستار، لكن الملف لا يزال مفتوحًا في ذاكرة الناس. كيف يمكن لنائب رئيس جماعة أن يتورط في جريمة قتل بهذا الشكل؟ كيف نجح في تعطيل كاميرات الضيعة؟ ولماذا صمت بعض المقربين عن الإبلاغ رغم علمهم بما جرى؟

شخصان آخران ـ بينهما امرأة ـ ما زالا يتابعان في حالة سراح، بتهمة المشاركة وعدم التبليغ. وهنا يطرح سؤال أخلاقي قبل أن يكون قانونيًا: كم من الجرائم تمر تحت أنف من يعرفون، لكن الصمت يحكمهم؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى