
قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية عدد من المقتضيات الواردة في مشروع القانون رقم 02.23 المتعلق بالمسطرة المدنية، الذي تمت المصادقة عليه خلال شهر يونيو الماضي في قراءة ثانية، خصوصاً المادة 17 المثيرة للجدل، التي تمنح النيابة العامة صلاحية الطعن في الأحكام القضائية النهائية بدعوى مخالفة النظام العام.
وأفاد قرار المحكمة بأن هذه المادة، التي تخول للنيابة العامة تقديم طلب بطلان مقرر قضائي حائز لقوة الشيء المقضي به داخل أجل خمس سنوات، تفتقد للضوابط الموضوعية اللازمة، وهو ما يتعارض مع مبدأ الأمن القضائي المكفول بموجب الدستور.
وأضافت المحكمة أن هذه الصيغة تفتح الباب أمام سلطة تقديرية واسعة تمارسها النيابة العامة والجهات القضائية، دون تحديد دقيق للحالات التي تستوجب الطعن، بما يهدد استقرار الأحكام النهائية ويخلّ بحقوق الأطراف.
كما شمل قرار الإلغاء مقتضيات أخرى مرتبطة بمسطرة التبليغ، وخاصة الفقرة الرابعة من المادة 87، التي تجيز تسليم الاستدعاءات القضائية إلى أشخاص يصرحون بأنهم وكلاء أو يشتغلون لفائدة المعني بالتبليغ، أو إلى أفراد من الساكنين معه يُقدَّر أنهم تجاوزوا سن السادسة عشرة، وهو ما اعتبرته المحكمة مسّاً بمبدأ الأمن القانوني وإخلالاً بضمانات الدفاع.
واعتبرت المحكمة أن هذا التقدير القائم على “الظاهر” والشك يضع عبئاً غير مبرر على أعوان التبليغ، ويهدد حقوق المتقاضين في الدفاع، خاصة في غياب يقين قانوني يحدد هوية المُبلّغ إليهم وشروط الاستدعاء.
ونتيجة لذلك، قضت المحكمة بعدم دستورية المقتضيات المرتبطة بنفس الفقرة في عدة مواد أخرى من مشروع القانون، تشمل المواد: 97 و101 و103 و105 و123 و127 و173 و196 و204 و229 و323 و334 و352 و355 و357 و361 و386 و500، إضافة إلى المواد 115 و138 و185 و201 و312 و439.
وفي أول رد فعل رسمي، رحبت وزارة العدل بقرار المحكمة، معتبرة إياه محطة دستورية هامة تعكس حيوية المؤسسات الديمقراطية وتعزز الضمانات القانونية داخل منظومة العدالة.
وأكدت الوزارة، في بلاغ رسمي، أن المسار التشريعي للمشروع عرف مقاربة تشاركية موسعة شملت كافة الفاعلين، وجددت التزامها بملاءمة النصوص القانونية مع الدستور، والعمل على تطوير تشريعات تواكب التحولات المجتمعية وتعزز الأمن القضائي.
من جهته، قال وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، إن الرقابة الدستورية تُعد “ضمانة حقيقية لدولة القانون”، مضيفاً أن القرار الأخير يفتح المجال لنقاش قانوني عميق يدعم الإصلاح التشريعي داخل المؤسسات.