
بينما يسارع العالم إلى بلورة معاهدة دولية ملزمة للحد من النفايات البلاستيكية، لا يزال المغرب يراوح مكانه في مواجهة هذا التحدي البيئي والصحي المتفاقم. فالنفايات البلاستيكية، التي تغزو الشوارع والوديان والشواطئ والمجاري المائية، باتت تُصنّف اليوم ضمن المهددات الكبرى للتوازن الإيكولوجي وصحة الإنسان، في ظل غياب تدبير فعال ومتكامل لهذه الآفة.
تعاني البلاد من تراكم هائل للنفايات البلاستيكية، التي لا تتحلل طبيعياً وتخترق السلسلة الغذائية، مخلفة آثاراً صحية خطيرة على الإنسان والحيوان. ورغم سنّ قوانين لحظر بعض المنتجات البلاستيكية، إلا أن الأثر العملي على أرض الواقع يظل محدوداً، ويكشف عن قصور واضح في التنفيذ والمراقبة.
المعضلة تتجاوز الجوانب التقنية أو القانونية لتلامس غياب إرادة سياسية حقيقية، يمكن أن تترجم إلى استراتيجيات وطنية صارمة تتضمن مراجعة جذرية للنموذج الاقتصادي الذي يشجع على استهلاك البلاستيك، دون أي التزام فعلي بتطبيق مبدأ “الملوِّث يدفع” أو فرض ضرائب بيئية على الصناعات المنتجة.
كما أن الفاعلين الاقتصاديين لا ينخرطون بالشكل المطلوب في الجهود الوطنية لمكافحة التلوث البلاستيكي، مما يضاعف من صعوبة الاستجابة الفعالة لهذا التحدي. فالتراخي في التحول إلى البدائل المستدامة، وضعف الابتكار في مجال التدوير، وغياب الدعم العمومي لمشاريع الاقتصاد الدائري، كلّها عوامل تكرّس الوضع القائم.
من جهة أخرى، يبقى دور المجتمع المدني مشتتاً ومحدود التأثير، في ظل غياب التنسيق المؤسساتي والدعم اللوجستي والمادي. فالمبادرات البيئية المعزولة، مهما كانت نواياها نبيلة، لا تستطيع لوحدها وقف زحف البلاستيك، ما لم تتحول إلى رافعة ضمن منظومة وطنية متكاملة.
اليوم، ومع تفاقم الأضرار البيئية والصحية الناتجة عن النفايات البلاستيكية، بات من الضروري التحرك العاجل لبلورة سياسة وطنية قوية، تزاوج بين التشريع الصارم، والتحفيز الاقتصادي، والتربية البيئية، وتفعيل المراقبة، بما يضمن حماية الأجيال المقبلة من آثار هذه القنبلة البيئية الصامتة.