
مع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، تحتدم النقاشات السياسية والقانونية بالمغرب حول تعديل منظومة القوانين الانتخابية، بعد الدعوة الملكية إلى إقرار إطار تشريعي واضح ومعتمد قبل نهاية السنة. وبينما يعتبر البعض هذه المراجعات خطوة ضرورية لتعزيز النزاهة، يرى آخرون أنها ستستغل من قبل جهات بعينها لها الرغبة في هندسة المشهد السياسي والتحكم في نتائجه.
يبرز على رأس الملفات الساخنة القاسم الانتخابي المعتمد في انتخابات 2021، والذي وصفه أستاذ القانون الدستوري أحمد بوز بـ”البدعة القانونية” و”الفضيحة”، مشيراً إلى أنه لم يحقق الأهداف المعلنة، بل استفاد منه حزب العدالة والتنمية رغم أنه كان موجهاً لتقليص حضوره. كما يطرح ملف التقطيع الانتخابي إشكالات كبيرة، حيث ينتقد بوز ابتعاده عن المعايير السكانية واعتماده على اعتبارات سياسية، ما أفرز دوائر تضم 200 ألف نسمة وأخرى لا تتعدى 4 آلاف، في مخالفة للمعايير الدولية التي تحدد سقف الفارق في 20%.
وفي خضم هذه النقاشات، يثار موضوع تعزيز حضور النساء والشباب في المؤسسات المنتخبة، حيث يتساءل بوز عن إمكانية العودة إلى اللائحة الوطنية للشباب أو ابتكار صيغ جديدة، منتقداً تراجع فرص هذه الفئة بعد إدماجها في التمثيل الجهوي بالمرتبة الثالثة خلف النساء. كما يثير الجدل مطلب رفع مقاعد الانتخابات الجهوية من 90 إلى 120 لدعم تمثيلية النساء، مؤكداً أن الغاية من الكوطا هي التأهيل المؤقت للمجتمع، لا أن تصبح مبدأ دائماً.
ويتقاطع هذا النقاش مع ملف تمويل الأحزاب، حيث يربط بوز بين الدعم العمومي وإمكانية تشديد الرقابة على استعمال الأموال في الحملات الانتخابية، منتقداً ما يسميه “خوصصة التزوير” عبر ترشيح رجال الأعمال والأعيان، وهو ما أفرز انتخابات 2021 مثقلة بمتابعات قضائية، محملاً الأحزاب جزءاً كبيراً من المسؤولية في ترشيح شخصيات فاسدة، وداعياً إلى تحمل الجميع، من أحزاب ودولة وإعلام وناخبين، مسؤولية تخليق الحياة السياسية.
ويرى بوز أن أحد أعطاب النظام الانتخابي هو التغيير المستمر للقوانين مع كل دورة، في استثناء عالمي يضعف الاستقرار التشريعي، مؤكداً أن القوانين الانتخابية ينبغي أن تكون ثمرة توافق وطني، وأي تعديل يجب أن يقر قبل سنة على الأقل من موعد الاقتراع، لا في خضم مؤشرات الحملة الانتخابية. أما مشاركة الجالية المغربية بالخارج فما زالت شكلية، مقتصرة على الترشيح عبر اللوائح الجهوية، مع غياب دوائر انتخابية بالخارج واعتماد التصويت بالوكالة الذي لا تتجاوز نسبته 0.01%، ما يعني حرمان أكثر من 6 ملايين مغربي من المشاركة الفعلية. وفيما يخص خفض سن التصويت، يرى بوز أن المشكلة ليست في العمر بل في غياب مناخ ثقة، إذ أن العزوف يطال فئات شابة متعلمة، مشدداً على أن إقناع المواطنين بالمشاركة يتطلب عرضاً سياسياً جاداً ووفاء بالوعود، لا شعارات ظرفية أو رهانات رياضية، معتبراً أن الرهان الأكبر يتمثل في إقناع الناخبين بأن المؤسسات المنتخبة تمثلهم فعلاً وبأن العملية الانتخابية قادرة على إحداث التغيير المنشود.