
مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، بدأت ملامح صراع سياسي خفي يطفو على السطح بين حزبي الأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار حول من سيتولى زمام المبادرة لقيادة حكومة 2026. وفي ظل هذا التنافس المحتدم، تبرز إمكانية استفادة حزب العدالة والتنمية من هذه الوضعية لإعادة التموقع واستعادة جزء من نفوذه السياسي الذي فقده خلال انتخابات 2021.
منذ تشكيل الحكومة الحالية، تحالف حزبا الأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار في إطار “أغلبية مريحة”، إلى جانب حزب الاستقلال، إلا أن التوازنات الداخلية بين مكونات الأغلبية لم تخل من توترات صامتة. فكل من الأحرار والبام يسعى لتعزيز موقعه السياسي باعتباره الحزب الأقوى داخل التحالف الحكومي، وهو ما قد يؤدي، مع اقتراب الانتخابات التشريعية، إلى تنافس صريح على قيادة حكومة 2026. ويتجلى هذا التنافس في التصريحات السياسية المتبادلة بين الطرفين، التي تتصاعد وتتقاطع مع تصريحات مضادة، وسط سباق غير معلن للتعاقد مع المؤسسات الإعلامية بهدف التأثير على الرأي العام وكسب ود الناخبين.
في خضم هذا المشهد، يبرز حزب العدالة والتنمية كأحد أبرز المستفيدين المحتملين من هذا الصراع السياسي. فرغم مروره بمرحلة ضعف بعد خسارته المدوية في انتخابات 2021، حيث لم يحصل سوى على 13 مقعدًا، فقد تمكن من الحفاظ على حضور معنوي وازن في المشهد السياسي، لا سيما عبر بعض الوجوه البرلمانية القوية مثل عبد الله بوانو، وعبد الصمد حيكر، ومصطفى الإبراهيمي. ورغم أن الحزب لا يشكل سوى مجموعة نيابية لا ترقى إلى مستوى “فريق برلماني” وفقًا للنظام الداخلي لمجلس النواب، إلا أنه نجح في التأثير في النقاش السياسي وأدى دور المعارضة من خلال مواقف واضحة ومتماسكة تجاه قضايا مجتمعية واقتصادية، مما جعل صوته مؤثرًا في الرأي العام.
في حال استمرار الصراع أو تصاعده بين الأحرار والبام، من المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تفكك نسبي في كتلة التصويت الموالية للحكومة، ما سيُتيح لحزب العدالة والتنمية هامشًا أوسع لاستعادة ثقة جزء من القاعدة الانتخابية، خاصة في ظل تصاعد التذمر الشعبي من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتراجع الثقة في الأداء الحكومي. وقد يتمكن العدالة والتنمية، إذا أحسن استغلال هذا الوضع، من تحقيق نتائج أفضل في الانتخابات المقبلة، تعيده إلى موقع الفريق البرلماني، ما سيمنحه أدوات أقوى للرقابة البرلمانية، وتمثيلية أكبر في اللجان البرلمانية، وزخمًا إعلاميًا أوسع، مما يعزز دوره كمعارضة قوية ومنظمة في وجه حكومة 2026 التي قد تواجه هشاشة في تماسكها الداخلي نتيجة الصراع بين مكوناتها.
أما حزب الاستقلال فلا يشكل عامل قلق في معادلة التحالف الحكومي المقبل، إذ لم يعد يمثل رقماً مؤثراً في المشهد السياسي الحالي. فالحزب اختار اللعب على حبل الأغلبية تارةً، وعلى حبل المعارضة تاراتٍ أخرى، مما جعله غير مستقر وغير موثوق به في التحالفات السياسية. لهذا، مهما كان الحزب الذي سيفوز بصدارة الانتخابات المقبلة، سواء كان حزب الأصالة والمعاصرة أو التجمع الوطني للأحرار، فمن المرجح ألا يعتمد عليه كحليف أساسي في تشكيل حكومة 2026. وحزب الاستقلال أمام خيار وحيد للبقاء داخل الحكومة، وهو الحصول على المرتبة الأولى في الانتخابات، وهو أمر غير مرجح حالياً، ما يجعل احتمالية ارتكانه إلى المعارضة في المستقبل أكثر واقعية.
كما أن الصراع المحتمل بين حزب الأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار لن يخدم الطرفين الطامحين إلى تصدر المشهد السياسي، حيث سيؤدي إلى خسارة دوائر انتخابية مهمة لكل منهما، مما يفسح المجال لأحزاب أخرى للفوز بهذه الدوائر، وهو ما سينعكس سلبًا على حصيلتهما البرلمانية. ونتيجة لذلك، ستكون المقاعد التي يحصلون عليها أقل مما هي عليه اليوم، مما يضطرهم إلى تحالفات مع أكثر من حزب لتشكيل حكومة 2026، عكس ما حصل في انتخابات 2021 التي لم تتطلب سوى تحالف ثلاثي.
إذا أراد حزبا الأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار الحفاظ على مواقعهما الحالية وقوتهما العددية داخل البرلمان، فلا بد لهما من بناء تحالف استراتيجي يعزز حضورهما الميداني، مبني على تفاهم واضح يعكس مرحلة الانتخابات المقبلة. يجب أن يكون هذا التحالف قائماً على احترام متبادل، بعيدًا عن الاعتماد على استقطابات داخلية من أحدهما إلى الآخر، وترك الخيار للكتلة الناخبة لتحديد من يقود الحكومة المقبلة. بهذا الشكل، يمكن ضمان تحالف قوي ومستقر لتشكيل حكومة 2026. أما إذا غابت هذه القواعد، فحتى في حال استمرار التحالف، فإنه سيكون هشًا وغير قادر على الصمود أمام التحديات السياسية المقبلة.
في الوقت نفسه، يُتوقع أن تشهد الانتخابات المقبلة تحولات في توازن القوى داخل البرلمان، مع احتمال صعود حزب العدالة والتنمية كقوة معارضة مؤثرة، إلى جانب استفادة أحزاب أخرى من الانقسامات والصراعات داخل الأغلبية الحالية. هذا الأمر قد يضفي ديناميكية جديدة على المشهد السياسي المغربي ويعيد تشكيل موازين القوى قبيل تشكيل الحكومة الجديدة في 2026.