
مع اقتراب الانتخابات التشريعية لعام 2026، يزداد الحديث داخل أروقة السياسة المغربية عن “حرب الأموال” التي تخوضها الأحزاب لاستقطاب التمويل اللازم لخوض حملاتها الانتخابية. ورغم أن القانون ينص على تمويل عمومي من الدولة لتأمين تكافؤ الفرص بين الأحزاب، إلا أن الواقع يكشف عن مشكلات عميقة في إدارة هذا الدعم، تنذر بتآكل شفافية العملية الانتخابية.
في التحقيق الذي أجريناه، تبين أن التمويل العمومي الحالي لا يرقى إلى طموحات ومطالب معظم الأحزاب، خصوصاً الصغيرة منها التي تتذمر من عدم قدرتها على تغطية مصاريفها الأساسية، من كراء مقرات ونفقات تشغيلية، ناهيك عن تكاليف الحملات الانتخابية التي تتطلب مبالغ ضخمة. في المقابل، تستفيد الأحزاب الكبرى من دعم مالي يفوق المليار سنتيم، مما يرسخ الفوارق ويضعف مبدأ المنافسة العادلة.
لكن القضية لا تتوقف عند نقص التمويل فقط، إذ كشفت تقارير رقابية وجود “ثغرات” في صرف الأموال العمومية، منها تحويلات مشبوهة استخدمت في شراء عقارات وسيارات، ودفع أجور لموظفين لا علاقة لهم بالحملات الانتخابية، فضلاً عن نفقات لا توثقها الوثائق القانونية المطلوبة. وأظهرت التحقيقات أن المجلس الأعلى للحسابات طالب بعض الأحزاب برد أموال تم صرفها بشكل غير قانوني، بما يشمل فترات انتخابية تمتد إلى سنوات ماضية.
في هذا السياق، يبرز سؤال محوري: هل يُمكن للنظام الحالي لإدارة وتمويل الأحزاب أن يضمن نزاهة الانتخابات ويمنع التلاعب المالي؟ وما هي التدابير التي تتخذها الجهات المختصة لضمان شفافية الإنفاق السياسي؟
مصادر مقربة من بعض الأحزاب الصغيرة تحدثت عن إحباط شديد نتيجة ضعف التمويل، مما يدفع بعضهم إلى التفكير في اللجوء إلى مصادر تمويل غير قانونية، وهو أمر قد يفتح الباب على مصراعيه أمام ممارسات مشبوهة كالتهرب الضريبي وشراء الأصوات، وهي ممارسات تضر بالديمقراطية وتعزز من الفساد السياسي.
على الجانب الآخر، تشير معطيات إلى أن بعض المرشحين داخل الأحزاب الكبرى يعتمدون على تمويلات خاصة من “الأعيان” و”مالين الشكاير”، أموال لا تظهر في الحسابات الرسمية ولا تخضع للرقابة، مما يضاعف الفوارق ويخلق بيئة خصبة للفساد.
وسط هذه التحديات، تبقى الحاجة ماسة إلى إصلاح شامل لنظام تمويل الأحزاب، يشمل تشديد الرقابة، تعزيز الشفافية، وتوفير دعم مالي عادل يضمن تكافؤ الفرص. كما يتطلب الأمر التوعية المجتمعية والمساءلة الفعلية لكل من يثبت تورطه في سوء التدبير المالي.
في ظل هذه الأوضاع، ينتظر المواطن المغربي انتخابات عام 2026 بقلق، متسائلاً: هل ستكون هذه الانتخابات فرصة حقيقية للتغيير والنزاهة، أم أنها مجرد إعادة إنتاج لأزمات التمويل السياسي التي تثقل كاهل الديمقراطية في البلاد؟