
في السياسة المغربية، لا تُطرح الأسماء الثقيلة عبثًا، خاصة حين يتعلق الأمر بقيادة حزب حاكم أو رئاسة الحكومة المقبلة. خلال الأسابيع الأخيرة، عاد اسم مولاي حفيظ العلمي، رجل الأعمال والوزير السابق، إلى واجهة النقاش السياسي، ليس فقط كشخصية تكنوقراطية معروفة، بل كأداة استراتيجية تعكس لعبة دقيقة داخل حزب التجمع الوطني للأحرار. الرسالة واضحة: الحزب يمتلك البديل الداخلي لقيادة الحكومة، وجاهز لمنع أي منافسة، سواء كانت داخلية أو خارجية، لضمان استمرارية مصالحه واستقرار السلطة.
مولاي حفيظ العلمي ليس اسما جديدا على المشهد المغربي. رجل أعمال ثري أسس مجموعة “سهام” التي تنشط في التأمين والتوزيع والصحة والعقار، وراكم ثروة أهلته ليكون من بين أغنى رجال الأعمال في المغرب. سنة 2013، عُين وزيرًا للصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي في حكومة عبد الإله بنكيران، واستمر في حكومة خلفه سعد الدين العثماني ممثلاً لحزب التجمع الوطني للأحرار. رغم أنه لم يكن عضوا بارزا في الحزب، انخرط فيه مباشرة بعد التعيين، في ممارسة سياسية أصبحت تعرف بـ”الاستوزار الحزبي”، الذي يكرس زواج المال بالسلطة ويخلق شبكة مصالح مترابطة بين الأعمال والسياسة.
من منظور تقني، نجح العلمي في ملفات كبرى مثل الاستثمار الصناعي، صناعة السيارات، وترشيح المغرب لكأس العالم 2026، لكنه ظل بعيدا عن دينامية الحزب الداخلية، ورفض الترشح للانتخابات التشريعية سنة 2021، ما فسّر حينها بأنه اختار الانسحاب من الصراع السياسي اليومي أو طلب منه ذلك، للحافظ على صورته التكنوقراطية بعيدا عن الصراعات الحزبية.
إعادة طرح اسمه في هذا التوقيت ليس صدفة، بل جاء في سياق سياسي دقيق، حيث تواجه حكومة عزيز أخنوش موجة سخط شعبي واسعة بسبب غلاء الأسعار وتراجع المؤشرات الاجتماعية وضعف الحضور السياسي لرئيس الحكومة. داخل الحزب، أصبح الحديث عن مأزق القيادة مسموعا، حتى في الدوائر المغلقة. هنا يظهر دور العلمي كخيار بديل داخلي يمكن الاعتماد عليه لتغيير الواجهة السياسية دون المساس بهياكل السلطة، ما يضمن استمرار الحزب في رئاسة الحكومة ويقطع الطريق على المنافسين.
مصادر مطلعة أكدت لـ عاجل24 أن الدفع باسم العلمي يحمل هدفا مزدوجا: ليس فقط كخيار بديل داخلي، بل أيضا كرسالة واضحة إلى حزب الأصالة والمعاصرة، وإلى منسقة قيادته الجماعية، فاطمة الزهراء المنصوري، التي يروج في الكواليس لاسمها كرئيسة محتملة للحكومة المقبلة. الرسالة مفادها أن قيادة الحكومة القادمة ستظل تحت سيطرة التجمع الوطني للأحرار، وأن البديل موجود داخل الحزب ومستعد، لضمان استقرار السلطة ومنع أي منافسة قد تفتح الباب لأطراف خارجية أو وجوه جديدة.
مصادرنا أكدت أن العلاقة بين العلمي وأخنوش لم تكن يوما سلسة. أخنوش، الذي أسس شبكات ولاء قوية داخل الحزب منذ توليه القيادة، ليس مستعدا لتسليم القيادة لشخص لم يشارك في صعوده ولا يمتلك نفوذا تنظيميا. العلمي، بطبيعته المستقلة، لم يكن راغبا في الدخول في صراعات داخلية أو مساومات سياسية، ما جعله يبتعد، ربما بإرادته، وربما بإبعاد ناعم من الحزب نفسه. لذلك، تبقى فرضية التنازل الطوعي لأخنوش لصالح العلمي غير واقعية، إلا في حال تدخل جهات عليا أو حصول انتكاسة انتخابية صادمة خلال تشريعيات 2026.
وكشفت مصادرنا، أن العلمي سبق أن واجه عدة شبهات فساد تعقد صورته كبديل “نظيف”. شملت هذه الشبهات الامتيازات غير القانونية في العقار والاستثمار، حيث اتُهمت شركات مرتبطة به بالاستفادة غير المشروعة من عقود ومشاريع استراتيجية في الدار البيضاء والرباط ومدن أخرى، أحيانًا على حساب السكان المحليين الذين احتجوا على التهميش والتجريد من أراضيهم دون تعويض عادل. كما سبق أن وُجهت له اتهامات بالتحكم في قطاعات حيوية والاستفادة من الصفقات العمومية بطريقة غير شفافة، وأحيانًا بدون مناقصة أو مع تجاوزات مالية واضحة. وتشمل الشبهات أيضًا التحايل على الضرائب والتهرب المالي عبر شركات وهمية وتلاعب في الفواتير وتحويل أرباح إلى الخارج، بما في ذلك فروعه في دول أخرى، وهو ما يعكس شبكة مالية معقدة. كما سبق أن ارتبط اسمه بملفات فساد في القطاع الصحي، تتعلق بتجهيز المستشفيات العمومية واتهامات بالاحتكار والتلاعب في أسعار المعدات الطبية. وأشارت تقارير سابقة إلى محاولات لضغط على القضاء والإعلام لتهميش خصوم سياسيين وإعلاميين، ما عزز صورة العلمي كشخصية تحمي مصالحها بأي ثمن.
وأكدت مصادرنا، أن طرح اسم العلمي ليس مجرد نقاش حول كفاءته أو نجاحه الاقتصادي، بل رسالة استراتيجية مفادها أن حزب التجمع الوطني للأحرار، قادر على تقديم بديل داخلي جاهز للحكومة، دون المساس بهياكله، وقطع الطريق على المنافسين المحتملين، ومن بينهم فاطمة الزهراء المنصوري.
إن إعادة طرح اسم مولاي حفيظ العلمي ليس مجرد نقاش إعلامي، بل خطوة استراتيجية ضمن لعبة سياسية محكمة تهدف إلى الحفاظ على موقع التجمع الوطني للأحرار في رئاسة الحكومة وضمان استمرار السيطرة على السلطة من داخل المنظومة نفسها. أي تغيير حقيقي للقيادة أو تجديد سياسي يتطلب إرادة سياسية واضحة تتجاوز مصالح المال والنفوذ، وإعادة بناء علاقة الدولة بالمواطن، مع توفير آليات شفافة للمحاسبة، وهو ما لم يتوافر بعد، ما يجعل كل الأسماء المطروحة جزءًا من منظومة مستمرة رغم الهزات، تعتمد على تدوير الوجوه وزواج المال بالسلطة.