
بمناسبة اليوم الدولي للشباب الذي يصادف 12 غشت من كل سنة، أصدرت العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان تقريراً حقوقياً جديداً يحمل عنوان “وضعية حقوق الشباب في المغرب”، ترصد من خلاله مختلف التحديات التي تواجه هذه الفئة الواسعة من المجتمع، وتقدم قراءة تحليلية شاملة لوضعيتها الراهنة، انطلاقاً من زوايا اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية. ويكتسي هذا التقرير أهمية خاصة بالنظر إلى ما تمثله فئة الشباب من وزن ديمغرافي داخل التركيبة السكانية المغربية، حيث يشكلون مورداً بشرياً استراتيجياً قد يسهم في تحقيق التنمية الشاملة، إذا ما تم استثماره بشكل عادل ومنصف.
يشير التقرير إلى أن الشباب المغربي يعيش اليوم واقعاً معقداً، يتسم بتعدد العراقيل البنيوية التي تحد من قدرته على الاندماج الفعلي داخل المجتمع، وعلى لعب أدواره الكاملة كمواطن فاعل. فعلى مستوى التشغيل، ما تزال معدلات البطالة في صفوف الشباب مرتفعة، في ظل محدودية فرص الشغل واستمرار هيمنة القطاع غير المهيكل، وهو ما ينعكس سلباً على استقرارهم الاجتماعي والنفسي.
أما في ما يتعلق بالتعليم والتكوين، فتبرز عدة اختلالات بنيوية مزمنة، منها تفشي الهدر المدرسي، وضعف جودة التكوين، وعدم ملاءمته مع متطلبات سوق الشغل، إلى جانب ضعف الاستثمار في البحث العلمي، وغياب ربط واضح بين الجامعات والمقاولات، مما يفاقم أزمة التأهيل المهني والاندماج الاقتصادي.
وفي ما يخص المشاركة السياسية، يسجل التقرير تراجعاً مقلقاً في اهتمام الشباب بالشأن العام، مع انخفاض نسب تسجيلهم في اللوائح الانتخابية وضعف حضورهم في المؤسسات المنتخبة وفي مواقع القرار داخل الأحزاب السياسية. هذا العزوف لا يعكس فقط غياب الثقة في النخب والمؤسسات، بل يكشف أيضاً عن شعور متنامٍ بالتهميش وغياب الآفاق، ما يشكل تهديداً حقيقياً لمسار الديمقراطية التشاركية.
كما توقف التقرير عند عدد من الإشكالات الاجتماعية والصحية الخطيرة التي تواجه الشباب، منها ارتفاع نسب الإدمان، خاصة على الحشيش والعقاقير المهلوسة، إلى جانب الضعف الكبير في خدمات الصحة النفسية نتيجة قلة الأطباء المختصين والبنيات العلاجية الملائمة. ولم يغفل التقرير ظواهر مقلقة مثل تفشي الهجرة غير النظامية، وارتفاع منسوب الجنوح والانحراف، وتزايد مظاهر العنف وخطاب الكراهية وسط فئات من الشباب، وهي مؤشرات تعكس في جزء كبير منها فشل السياسات العمومية في خلق بيئة حاضنة ومحفزة.
وإزاء هذا الواقع، خلصت العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان إلى ضرورة تفعيل المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، باعتباره آلية دستورية للتأطير والمشاركة. كما أوصى التقرير بضرورة إصلاح منظومتي التعليم والتكوين وربطهما فعلياً بسوق الشغل، مع تبني سياسات عمومية دامجة تضمن تمثيلية عادلة للشباب داخل المؤسسات، وتعزيز الصحة النفسية عبر توسيع العرض العلاجي ومكافحة الإدمان.
ومن بين التوصيات البارزة أيضاً، تطوير البنيات الثقافية والرياضية، وإدماج التربية البيئية والرقمية ضمن البرامج التربوية، ووضع مقاربات شمولية لمحاربة الهجرة غير النظامية وخطابات الكراهية، بما يضمن حماية النسيج المجتمعي ويعزز قيم التعايش والمواطنة.
ويؤكد التقرير في ختامه أن الاستثمار الحقيقي في الشباب المغربي يمر عبر ضمان حقوقهم الأساسية، وتمكينهم من الوسائل الكفيلة بتحقيق ذواتهم، ومشاركتهم في رسم السياسات وصناعة القرار. فبدون إشراك فعلي وحقيقي لهذه الفئة، ستظل التنمية رهينة بنماذج غير مكتملة تعيد إنتاج الهشاشة والتفاوتات.