
سلّط تقرير حديث الضوء على الفجوة القائمة بين الدولة والجهات في ما يتعلق بتنفيذ عقود البرامج والإطار التشريعي المؤطر لها، مبرزاً أن العلاقة بين الطرفين ما تزال محكومة بغياب رؤية واضحة ومنهجية دقيقة تحدد الآفاق المنتظرة من ورش الجهوية المتقدمة، رغم ما نص عليه دستور 2011 والقانون التنظيمي للجهات من صلاحيات متقدمة للمجالس الجهوية.
وأشار التقرير إلى أن عقود البرامج، باعتبارها آلية لتجسيد التنمية الجهوية، لم تحقق بعد الأثر المطلوب بسبب ضعف المرجعيات القانونية والمواكبة المؤسساتية، إلى جانب استمرار هيمنة السلطة المركزية على القرار الجهوي. فقد تبين أن عدداً من الجهات لم توقّع بعد اتفاقيات شراكة مع القطاعات الوزارية، فيما تأخرت أخرى في اعتماد برامجها التنموية للفترة 2022-2027، مما حال دون الشروع في تنفيذ مشاريع ذات طابع استعجالي.
وبينما شكّل الجيل الأول من هذه العقود خطوة أولى في سبيل توطيد التعاقد الترابي، إلا أن حصيلته اقتصرت على أربع جهات فقط، بغلاف مالي ناهز 23.5 مليار درهم لتغطية 197 مشروعاً، أي ما يعادل 22% من التكلفة الإجمالية لبرامج التنمية الجهوية. ومع ذلك، كشف التقرير عن ضعف كبير في وتيرة الإنجاز، إذ لم تتجاوز نسبة المشاريع المنجزة 9% خلال سنة 2024، رغم الطابع الاستعجالي لهذه العقود.
ويعزو التقرير هذا التعثر إلى عدة عوامل، منها تأخر تقنين آليات التعاقد، وثقل الرقابة الإدارية، وضعف التنسيق مع القطاعات الوزارية، فضلاً عن غياب تصنيف واضح للمشاريع ذات الأولوية على مستوى برامج التنمية الجهوية. وأبرز أن هذا الوضع يكرّس استمرار التفاوتات المجالية، إذ تتسارع وتيرة التنمية في بعض الجهات “النافعة” مقابل استمرار مؤشرات الضعف في جهات أخرى تعاني من هشاشة بنيوية.
وحذّر التقرير من أن استمرار غياب إطار مرجعي متكامل قد يجعل عقود البرامج وسيلة بيد المركز للتحكم في القرار الترابي، على حساب استقلالية الجهات ودورها القيادي في التنمية. ودعا إلى تسريع إخراج النصوص التنظيمية الخاصة بالعقود، وضبط أدوار جميع المتدخلين، مع التنصيص على الطابع الملزم لاتفاقيات الشراكة لضمان احترام الالتزامات المالية وتفادي توقف المشاريع.
كما أوصى التقرير بضرورة تقوية الاستقلال المالي والإداري للجهات، وتوسيع صلاحياتها الحصرية، إلى جانب إرساء حكامة فعالة تقوم على مؤشرات قابلة للقياس وخطط تنفيذ واقعية، بما يعزز الأثر التنموي والديمقراطي للجهوية المتقدمة، ويضمن للجهات القيام بدورها كاملاً في قيادة التنمية الترابية.