
تتزايد حدة الانتقادات الموجهة لرئيس جهة مراكش آسفي، في ظل ما يُوصف بـ”تفكك خطير” تشهده البنية التنظيمية لحزب الأصالة والمعاصرة، وصل حدّ الشلل التام في التواصل مع القواعد والمناضلين، بل ومع المواطنين أنفسهم، وهو ما دفع مراقبين إلى دق ناقوس الخطر بشأن مستقبل الحزب في الجهة ووطنيًا.
فمنذ ما يقارب ثلاث سنوات، يعيش الحزب على إيقاع جمود تنظيمي غير مسبوق، باستثناء بعض اللقاءات المعدودة على رؤوس الأصابع، التي نُظّمت – كما العادة – في إقليم الرحامنة، الإقليم الذي يحمل رمزية خاصة داخل البام، سواء من حيث نشأة المشروع أو من حيث رموزه التاريخيين. غير أن هذه “الاستثناءات” لم تُخفِ حالة الغليان المحلي، حيث دفع هذا الجمود، خلال شهر يونيو الماضي، بعشرة رؤساء جماعات من أصل 18 جماعة منتمية للحزب بإقليم الرحامنة، إلى توجيه مراسلة رسمية إلى كل من الأمين الجهوي للحزب ورئيس قطب التنظيم، يحذرون فيها من مغبة تجاهل الوضع التنظيمي المتردي محليًا، ويدعون إلى التدخل الفوري لتصحيح المسار.
لكن المفاجأة، وفق مصادر مطلعة، أن هذه الدعوة لم تلقَ أي تجاوب يُذكر إلى حدود اليوم، ما زاد من تعميق الهوة بين القيادة الحزبية وقواعدها، حتى داخل أكثر أقاليم الحزب ولاءً ورمزية.
وحسب مصادر حزبية أخرى، فإن المقرات الجهوية والمحلية للحزب عبر عدد من مناطق المملكة أصبحت شبه مغلقة في وجه المناضلين، بعد أن تم تفريغها من دورها التأطيري والتواصلي، وتحويلها إلى أدوات شكلية تُدار عن بُعد بمنطق الولاء لا الكفاءة. بل إن عدداً من المنخرطين تم تهميشهم بشكل ممنهج، ولم تعد تُمنح لهم حتى فرصة اللقاء أو التعبير عن آرائهم، ما دفع بالكثير منهم إلى الانسحاب في صمت أو الالتحاق ببدائل سياسية أكثر انفتاحًا.
شخصنة الحزب.. وتغوّل على حساب الديمقراطية الداخلية
يُجمع عدد من المتتبعين أن رئيس الجهة، الذي يستقوي بقربه من القيادي أحمد أخشيشن، لعب دورًا حاسمًا في تقويض التنظيم الداخلي للحزب، متبعًا أساليب وصفها البعض بـ”الحربائية والسلطوية”، حيث يُمارس نفوذه لإقصاء المخالفين، وتحصين موقعه عبر شبكة علاقات ظرفية ومصلحية لا تمت بصلة للعمل السياسي المؤسساتي.
هذا السلوك – وفق ذات المصادر – تسبب في تصدع كبير داخل هياكل الحزب، وعزز من منطق الشخصنة، على حساب القواعد الديمقراطية التي تُفترض في أي تنظيم سياسي يسعى للبقاء والتمدد.
تدبير فاشل وتنمية معطلة
موازاة مع هذا، تستمر جهة مراكش آسفي في السير على إيقاع الارتباك والعجز في تنزيل برامج تنموية حقيقية. إذ يشير فاعلون محليون إلى تأخر مشاريع مهيكلة، وغياب رؤية واضحة، وتفاقم الهشاشة في عدد من الأقاليم، وسط تساؤلات عن قدرة الجهة على الوفاء بالتزاماتها.
وتؤكد التقارير المحلية أن الوضع الاجتماعي كاد ينفجر في عدة مناطق، لولا تدخلات عمال العمالات الذين قاموا بدور إطفائي، تفادياً لتكرار سيناريوهات احتجاجية مشابهة لما جرى في آيت بوكماز.
الطموح الوزاري المثير للسخرية
رغم كل هذه الإخفاقات، لا يزال رئيس الجهة يُلوّح بطموحه لتولي حقيبة وزارة الداخلية، في ما وصفه خصومه بأنه محاولة للقفز على الواقع وتلميع صورة متآكلة بالإنجازات الوهمية.
هذا الطموح غير المفهوم، بالنسبة للكثير من المتتبعين، يكشف عن انفصال خطير بين ما يعتقده المسؤول عن نفسه وبين ما يعكسه الواقع الفعلي، ويطرح أسئلة حول معايير الترقي داخل النخبة السياسية.
دعوات للمحاسبة العاجلة
وفي ظل هذا المشهد القاتم، تعالت الأصوات المطالبة بتدقيق شامل في تدبير الجهة، وفتح تحقيق حزبي داخلي في طريقة قيادة الهياكل، من أجل إعادة الاعتبار للديمقراطية الداخلية، وضمان عودة الحزب إلى سكّته كممثل سياسي للمواطنين لا أداة في يد قلة متنفذة.