
في ظل التحولات العميقة التي يشهدها قطاع الثروة الحيوانية بالمغرب، كشفت نتائج الإحصاء الوطني للقطيع، المنجز من طرف وزارة الفلاحة ما بين 26 يونيو و11 غشت 2025، عن صورة دقيقة تعكس هشاشة التوازن داخل هذا القطاع الحيوي. فقد بلغ إجمالي رؤوس الماشية حوالي 32.8 مليون رأس، موزعة بين 23.1 مليون رأس من الأغنام و7.4 ملايين رأس من الماعز و2.09 مليون من الأبقار، إضافة إلى 106 آلاف من الإبل.
وإذا كانت هذه الأرقام تؤكد قوة القاعدة التناسلية للأغنام والماعز، فإنها تكشف في المقابل عن تراجع مقلق في أعداد الأبقار والإبل بنحو 30% مقارنة بالمعدلات المعتادة، بفعل توالي سنوات الجفاف وارتفاع كلفة الأعلاف. هذا التراجع دفع الحكومة إلى مواصلة سياسة دعم استيراد الأبقار الحية بهدف إعادة تكوين القطيع الوطني وضمان استقرار السوق، في وقت يتزايد فيه الطلب الداخلي على اللحوم الحمراء.
وحسب المعطيات الرسمية، فإن جزءا مهما من الأبقار المستوردة موجه مباشرة للذبح السريع، في خطوة اعتبرها الخبير الاقتصادي أمين سامي تجسيدا لـ”وعي استراتيجي لدى الدولة بضرورة التدخل الاستباقي لتفادي أي اختلالات في السوق الداخلية”. وأوضح سامي في تصريحه أن “التركيز على الأبقار الثقيلة المستوردة ليس مجرد خيار تقني، بل قرار اقتصادي بامتياز يرمي إلى ضخ كميات إضافية من اللحوم وتقليص الكلفة على المستهلك، بما يحمي الأمن الغذائي الوطني”.
وأضاف المتحدث أن المغرب بات يشكل سوقا واعدة في التجارة الدولية للثروة الحيوانية، وهو ما تؤكده مكانته المتقدمة بين كبار المستوردين، خاصة من بلدان أمريكا اللاتينية، مبرزا أن هذا التموقع يندرج في سياق اندماج المغرب المتنامي ضمن شبكات التوريد العالمية للمواد الحيوانية، في وقت أصبح فيه الأمن الغذائي قضية استراتيجية عابرة للحدود.
وفي ختام تحليله، شدد سامي على أن الرهان لا يقتصر على تأمين الكميات الكافية من اللحوم، بل يتجسد في القدرة على تحقيق توازن دقيق بين الإنتاج المحلي والاستيراد، بما يحمي القطيع الوطني ويصون القدرة الشرائية للمستهلك المغربي. واعتبر أن بلوغ هذا الهدف يمر عبر دعم الفلاحين الصغار، تحسين السلالات، وتطوير برامج التناسل، إلى جانب ضبط قنوات التسويق والتوزيع لمحاربة الاحتكار والمضاربات التي تهدد استقرار السوق.