
يُشكّل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في المغرب أحد أبرز المظاهر الدينية التي رافقت المجتمع منذ قرون، حيث تحوّل إلى تقليد راسخ يجمع بين التعبير عن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وآل بيته، وبين ترسيخ الهوية الثقافية المغربية في إطار القيم الإسلامية الجامعة.
ويُعَدّ القاضي أبو العباس العزفي السبتي من أوائل من دعا إلى إحياء هذه المناسبة بشكل منتظم، إذ ألّف كتابه الشهير “الدر المنظم في مولد النبي المعظم”، محثّاً المسلمين على جعل ذكرى المولد فرصة تربوية وروحية، وموازية لاحتفالات المسيحيين بميلاد المسيح عليه السلام. ومنذ ذلك الحين، صار المولد النبوي جزءاً من الذاكرة الدينية للمغاربة ووسيلة لتعزيز ارتباطهم بسيرة النبي العطرة.
وتحمل هذه المناسبة دلالات رمزية عميقة في الوجدان الشعبي؛ إذ كان المغاربة، خصوصاً في بعض مناطق الريف، يستقبلونها كما لو أنهم يستقبلون مولوداً جديداً في البيت. كانت النساء يرفعن الأعلام على الأسطح، ويُحضّرن أطعمة خاصة، فيما ترتدي الأسر ملابس جديدة وتذبح الدجاج أو تحضّر طبق الكسكس، في تعبير تلقائي عن الفرح والاحتفاء.
كما أبدع المغاربة عبر القرون أشكالاً فنية وروحية متنوعة لهذه الذكرى، من مدائح نبوية ومواسم شعبية إلى أمثال وحكم دارجة وأمازيغية مشبعة بالقيم الدينية، ما جعل المولد حدثاً اجتماعياً وثقافياً يتجاوز حدود الطقس إلى كونه ركناً من أركان التماسك المجتمعي.
ورغم الجدل الذي تثيره بعض الآراء الفقهية الرافضة للاحتفال بالمولد باعتباره بدعة، ظل المغاربة يرونه فرصة لإحياء القيم الإسلامية وتجديد المحبة للرسول صلى الله عليه وسلم، بعيداً عن اعتباره عيداً دينياً جديداً.
إن المولد النبوي في المغرب ليس مجرد مناسبة احتفالية، بل هو تعبير حضاري عن قدرة المجتمع المغربي على دمج الدين في تفاصيل حياته اليومية، وتحويل المناسبات الدينية إلى لحظات لتعزيز الروابط الاجتماعية وتأكيد الهوية الثقافية بأسلوب متفرّد يمزج بين الأصالة والتجديد.