
في كل صيف، تتكرر نفس المشاهد: صور ملتقطة لرئيس الحكومة عزيز أخنوش وهو يقضي إجازته رفقة أسرته، تعليقات متسرعة، عناوين مثيرة، واتهامات مبطنة. هذا العام، جاء الدور على جزيرة “سردينيا” الإيطالية، الوجهة المفضلة لأثرياء العالم، لتكون ساحة جديدة لتأويلات وتكهنات لا علاقة لها بالعمل الحكومي أو الشأن العام. لكن السؤال الذي يجب طرحه ببرودة أعصاب: ما المشكلة في أن يختار رئيس الحكومة وجهة سياحية فاخرة لقضاء إجازته من ماله الخاص؟
هل يريد البعض من عزيز أخنوش أن يقضي عطلة الصيف مع أسرته في شاطئ مرتيل أو على رمال “المركز” بالمحمدية، حتى يرضوا عن اختياراته الشخصية؟ فلنكن واقعيين وننزع من عقولنا عقدة الرفاهية. الرجل ثري قبل أن يكون رئيس حكومة، وله كامل الحق في اختيار وجهته المفضلة لقضاء عطلته، سواء كانت في “سردينيا” الإيطالية أو في أي جزيرة من جزر العالم.
عزيز أخنوش لم يدخل عالم الثراء من بوابة السياسة، بل هو من أغنى رجال الأعمال في المغرب قبل أن يصبح رئيساً للحكومة. مجلة “فوربس” تصنفه ضمن ثلاثة أثرياء في المملكة، بثروة تُقدَّر بـ 1.5 مليار دولار، راكمها عبر عقود من الاستثمار في الطاقة والتوزيع، لا من الخزينة العامة أو الامتيازات الحكومية. ولهذا، من العبث الإيحاء بأنه يسافر أو يصرف على حساب الدولة، فالرجل ليس بحاجة إلى راتب رئيس الحكومة، فما بالك بمصاريف عطلة صيفية.
جزيرة “سردينيا” الإيطالية ليست مجرد شاطئ رملي، بل هي مساحة اختارها كبار أثرياء العالم للابتعاد عن عدسات الكاميرات والضجيج الإعلامي. ومن حق أي إنسان، مهما كانت صفته، أن يبحث عن الخصوصية، خصوصاً إذا كان تحت الأضواء طوال العام. الانتقادات التي تُوجه لأخنوش لأنه تناول وجبة في مطعم فاخر أو ارتدى قبعة صيفية ليست سوى تعبير عن ثقافة الحسد ومطاردة الناجحين، وهي ثقافة تعيق أي نقاش جاد حول السياسات العمومية.
يجب أن نترسخ في ثقافتنا الاجتماعية فكرة “دخل سوق راسك”، وأن نفرق بين أخنوش رجل الأعمال ورب الأسرة، وأخنوش رئيس الحكومة المسؤول عن تدبير الشأن العام. مناقشة أدائه السياسي واجبة ومشروعة، أما التدخل في حياته الخاصة فتصرف غير أخلاقي ولا يخدم أي نقاش جاد.
إذا كان لا بد من محاسبته، فليكن السؤال: هل سافر على حساب نفقات الدولة؟ وهذا أمر مستبعد تماماً، والجميع يعلم أنه ليس بحاجة حتى إلى راتب رئيس الحكومة، فما بالك بتذاكر سفر أو فواتير مطاعم. الرجل يملك إمكانيات شخصية تجعله قادراً على تمويل عطلاته من أمواله الخاصة، دون أن يمد يده إلى المال العام.
من الطبيعي بل ومن الضروري أن يُنتقد أداء رئيس الحكومة إذا قصّر في وعوده أو فشل في إدارة الملفات الكبرى، لكن من غير الطبيعي أن يتحول النقد إلى مطاردة في الشواطئ والمطاعم، وكأننا في مسلسل فضائح تافه. هذه الممارسات لا ترفع من مستوى الوعي السياسي، بل تخفضه إلى مستوى القيل والقال.
على البعض أن يرفعوا سقف النقاش. فالمطلوب ليس مراقبة المكان الذي يضع فيه رئيس الحكومة كرسيه على الشاطئ، بل مراقبة قراراته في مجلس الحكومة. المطلوب ليس حساب الفاتورة التي دفعها في مطعم، بل حساب الأثر الاقتصادي لسياساته. المطلوب ليس التعليق على صوره مع أسرته، بل التعليق على أرقامه في خفض البطالة وتحسين الخدمات. في النهاية، عزيز أخنوش مواطن مغربي قبل أن يكون رئيساً للحكومة، وله حياة خاصة، وأسرة، وحق في قضاء عطلة حيثما شاء وبالطريقة التي يراها مناسبة. إن كنتم تريدون محاسبته، فحاسبوه على سياساته وقراراته، لا على اختياراته الشخصية التي لا تمس المال العام.