الرئيسيةسياسة

من بذر الأزمة إلى حصاد الفشل: كيف أصبح عزيز أخنوش خصمًا لسياساته؟

الرباط: عاجل24

عندما تسلّم عزيز أخنوش رئاسة الحكومة المغربية في خريف 2021، بدا وكأنه على وشك إعادة رسم مستقبل البلاد، مدعوما بتحالف حزبي قوي، ورؤية اقتصادية طموحة، وشعارٍ براق عنوانه: “الدولة الاجتماعية”. لكن بعد مرور ثلاث سنوات، لم يَعد كثير من المغاربة يرون فيه رجل المرحلة، بل بالأحرى المهندس الذي صاغ أزماتهم بيده، وها هو اليوم يتعثر تحت ثقل نتائج سياسات زرعها بنفسه على مدى عقد ونصف.

قبل دخوله رئاسة الحكومة، كان أخنوش وزيرًا للفلاحة لما يزيد عن أربعة عشر عامًا. أشرف خلالها على ما سُمي بـ”مخطط المغرب الأخضر” ثم “الجيل الأخضر”. وقد رُوّج لهذه البرامج باعتبارها ثورات فلاحية ستنقل المغرب إلى مصاف الدول الزراعية المتقدمة. غير أن الواقع أثبت أنها عمّقت الفجوة بين الفلاح الصغير والضيعات الكبرى، وركزت على الفلاحة الموجهة للتصدير بدل تأمين الأمن الغذائي الداخلي. حين جاء الجفاف، ومعه الاضطرابات العالمية، وجدت البلاد نفسها في وضع هش، بلا حماية غذائية، وبأسواق متروكة للمضاربة، وغلاء أنهك المواطن.

الأزمة لم تكن ظرفية بل هيكلية. لم تُبنَ سدود جديدة كما كان متوقعًا، ولم يتم الاستثمار الجاد في الزراعة الذكية أو التخزين، ولم تُفعل آليات الرقابة على سلاسل التوزيع. كانت النتيجة: أسعار متفجرة للطماطم، البصل، الحليب، اللحوم، والأعلاف… ومع كل هذا، لم يظهر من رئيس الحكومة سوى تصريح وُصف بالساخر والمستفز: “قولوا الحمد لله أن الطماطم ما زالت موجودة”. عبارة تحوّلت إلى أيقونة لفشل سياسي في فهم نبض الناس، وغطرسة لفظية لا تليق برئيس مسؤول أمام شعب يتألم.

ثم جاءت اللحظة التي ستزيد من الشكوك حول علاقة المال بالسلطة. في إحدى جلسات البرلمان، صرّح أخنوش بثقة: “أنا كنعرف نصف المستثمرين فالمغرب”. قد تبدو الجملة عادية، لكنها تكشف منطقًا خطيرًا: أن الاقتصاد المغربي لا تحكمه فقط قواعد السوق، بل شبكة علاقات شخصية لرئيس الحكومة، الذي هو في نفس الوقت رجل أعمال يملك شركات كبرى في المحروقات والأسمدة والتوزيع. في دولة تتحدث عن “تكافؤ الفرص”، بدا هذا التصريح كأنما يُقرّ ضمنيًا باحتكار النفوذ، ويضع علامات استفهام حول حيادية الدولة، وشفافية الصفقات، وصدقية المنافسة.

مظاهر تضارب المصالح لم تقف عند حدود التصريحات. مشاريع كبرى، مثل تحلية مياه الدار البيضاء سطات، رست على شركات مقربة من مصالحه العائلية، وسط غياب تام لأي نقاش عمومي أو رقابة برلمانية فعالة. وكلما ارتفعت حدة الانتقادات، لجأ أخنوش إلى الصمت، أو ما هو أسوأ: التخوين.

ففي إحدى الزيارات الميدانية، أوقفه مواطن غاضب، فما كان من أخنوش إلا أن رد عليه بجملة صادمة: “سلّم على هداك اللي مصيفطك.” لم يكن هذا الرد فقط انفعالًا شخصيًا، بل كان استبطانًا لذهنية سياسية ترى في الاحتجاج الشعبي مؤامرة، وفي المواطن الغاضب مجرد أداة في يد جهة ما. هذا النوع من التخوين المباشر يضرب في العمق أسس الديمقراطية، ويحوّل رئيس الحكومة من ممثل للأمة إلى خصم لها.

ومع كل ذلك، استمرت الحكومة في إدارة الملفات الكبرى بنفس المنطق: إنكار، تبرير، وغلق أبواب الحوار. لا مساءلة حقيقية، لا لجان تقصي، ولا تفاعل مع تقارير المؤسسات المستقلة. حتى الكوارث الوطنية مثل زلزال الحوز، كُشف فيها عن بطء إداري قاتل، وغياب قيادة فعالة في لحظة إنسانية حرجة.

يبدو أن عزيز أخنوش ليس فقط رئيس حكومة فشل في الوفاء بوعوده، بل هو رجل يُحاكم اليوم بأثر رجعي على هندسة واقع صنعه بنفسه. من وزارة الفلاحة إلى رئاسة الحكومة، لم يتغيّر المنهج، بل فقط اتّسع مجال الضرر. والنتيجة: رئيس لا يستمع، لا يعتذر، لا يُراجع، وفي نفس الوقت، يتحدث من فوق منصة السلطة بلغة من يعرف المستثمرين، لا من يعرف المزاج الشعبي أو الاحتياجات الحقيقية للمواطن المغربي.

هكذا، أصبح أخنوش خصمًا لسياساته، وسجينًا في قفص قراراته، ووجهًا لمرحلة تفقد فيها الدولة ثقة مواطنيها، ليس بسبب المؤامرات، بل بفعل مزيج قاتل من الغرور، تضارب المصالح، والغياب الكامل للتواضع السياسي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى