
وجهت الجمعية المغربية لحماية المال العام نداءً مباشراً إلى مؤسسات الدولة للتحرك ضد ما وصفته بـ”انحرافات زواج السلطة بالمال”، محذرة من تداعيات تزايد تغوّل نخبة سياسية تسعى إلى تحصين نفسها من المساءلة عبر بوابة التشريع.
وفي تفاعل مع قرار المحكمة الدستورية الذي أسقط عدداً من المواد المثيرة للجدل ضمن مشروع تعديل قانون المسطرة المدنية، رأت الجمعية أن هذا القرار يشكل تأكيداً على أن الحكومة لا تختزل الدولة، بل إن الأخيرة تظل الضامن لاحترام الشرعية الدستورية، والمكتسبات الحقوقية، والتقاليد القضائية الراسخة، التي لا يمكن التضحية بها لخدمة طموحات فئوية محدودة.
واعتبر رئيس الجمعية أن الحكومة الحالية تتجه نحو إغلاق المجال المدني ومحاصرة أدوار المجتمع في الرقابة على تدبير الشأن العام، متسائلاً عن أسباب التردد في إحالة مشروع قانون المسطرة الجنائية على المحكمة الدستورية، رغم تضمنه لمقتضيات تمس جوهر المحاكمة العادلة ومبادئ النزاهة والشفافية، في إشارة إلى المادتين 3 و7 اللتين وصفهما بأنهما تجسيد صريح لهيمنة مصالح نخبة ريعية تستغل البرلمان لتحصين الفساد.
وانتقد الفاعلون في الجمعية ما اعتبروه استغلالاً مكشوفاً للبرلمان في تمرير نصوص قانونية تصب في مصلحة المتورطين في نهب المال العام، محذرين من إفراغ الدستور من محتواه القيمي والحقوقي، ومن تقويض الالتزامات الدولية للمغرب في مجال مكافحة الفساد. وأكدوا أن دور المحكمة الدستورية يظل حاسماً في التصدي لمحاولات إفراغ العدالة من مضمونها المستقل.
وفي سياق متصل، رفضت المحكمة الدستورية عدداً من المواد التي تمس بشكل مباشر حقوق الدفاع، ومن بينها المادة 17 التي تمنح النيابة العامة صلاحية واسعة لهدم الأحكام النهائية دون ضوابط زمنية، إلى جانب المادتين 107 و364 اللتين تمنعان الدفاع من التعقيب على مذكرات المفوض الملكي، في مخالفة صريحة للضمانات الكونية والدستورية.
وخلصت الجمعية إلى أن الصمت عن هذه الانحرافات هو تواطؤ مع مشروع يهدد التوازنات الدستورية، ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة من عسكرة التشريع وخنق الحريات، داعية كل مكونات المجتمع إلى التنبه للخطر الذي يتهدد الأدوار الرقابية والمدنية، وإلى المطالبة بإصلاحات حقيقية تضمن خضوع الجميع للمساءلة على قدم المساواة.