الرئيسيةسياسة

نقابة “الخط المباشر” تخذل المتعاقدين.. ومجلس النواب يغلي

الرباط: عاجل24

في الوقت الذي يرزح فيه العشرات من موظفي مجلس النواب تحت وطأة الهشاشة والتهميش، خرج المكتب التنفيذي لما يُسمى بالنقابة المستقلة لموظفات وموظفي المجلس ببلاغ بارد، ينفي فيه وجود أي توتر أو احتقان داخل المؤسسة، في محاولة مكشوفة لتلميع صورة الرئاسة ومكتب المجلس، عوض أن يكون صوتاً حقيقياً للمعاناة اليومية التي يعيشها الموظفون، خصوصاً المتعاقدين منهم. بلاغ لم يأت بجديد، سوى التذكير بأن هذه النقابة لم تكن يوماً مستقلة إلا بالاسم، أما واقعها فمرتبط تماماً بجناح أي رئيس يتولى زمام المؤسسة. فباستثناء البيانات المنمّقة والبلاغات الموقعة، لم يظهر أي موقف جريء أو تحرك فعلي دفاعاً عن الشغيلة، ما جعل الكثيرين داخل المجلس يصفونها بنقابة “الخط المباشر”، لا تتحرك إلا بأوامر، ولا ترفع الصوت إلا عند الإشارة.

وسط هذا الصمت النقابي العميق، يعيش موظفو المجلس المتعاقدون وضعاً إنسانياً صعباً ومهيناً. سنوات من العمل والتفاني، دون أي تسوية، دون أفق، ودون حتى حق في التفكير في قرض سكني أو مشروع عائلي بسيط، مخافة إنهاء العقد في أي لحظة. العشرات منهم أمضوا أكثر من عشر سنوات داخل مؤسسة يُفترض أن تكون رمزاً للعدالة والاستقرار، لكنهم ما زالوا يُعاملون كأرقام مؤقتة قابلة للإلغاء. وبينما تمنح الحكومة سنوياً مناصب مالية للمجلس كان من الممكن استخدامها لحل هذه الأزمة، يختار رئيس المجلس رشيد الطالبي العلمي إغراق المؤسسة بمتعاقدين جدد أغلبهم محسوبون على حزب التجمع الوطني للأحرار، مما يزيد الطين بلّة، ويحوّل مؤسسة تشريعية إلى مرتع للتوظيفات السياسية المقنّعة.

وتروج داخل أروقة المجلس أخبار متواترة عن محاولات متكررة من طرف رئيسه، رشيد الطالبي العلمي، لإدماج متعاقدين محسوبين على حزبه بشكل سري، دون المرور عبر المساطر القانونية. غير أن هذه المناورات سرعان ما انكشفت، بعدما رفض الخازن العام للمملكة التأشير على هذه التوظيفات المشبوهة، لكونها لم تمر عبر مباراة رسمية أو إعلان علني، ما عرّى مرة أخرى هشاشة المشهد الداخلي وسيادة منطق الولاءات على منطق الاستحقاق والكفاءة.

وللمفارقة، فإن الرئيس السابق الحبيب المالكي، ورغم كل الانتقادات التي وُجهت له، أنهى ولايته وقد قام بتسوية عدد كبير من الملفات العالقة، بما فيها دمج الملحقين وتسوية وضعية الأعوان، وترك أقل من 20 متعاقداً. أما حصيلة الطالبي العلمي، فلا تزال تُوصف من داخل المجلس بـ”الصفرية”، حيث لا دمج، لا إدماج، ولا حتى نية حقيقية لإصلاح الوضع، مقابل توسع مستمر في التعاقدات التي تحوم حولها تساؤلات عديدة.

وفي خضم كل هذا، يقف رئيس النقابة، المعروف داخل المجلس بلقب “مول البخور”، كوجه بارز لهذا العبث. رجل يُقال إنه يشتغل إلى جانب الكاتب العام، ويوظف موقعه النقابي لخدمة مصالحه الشخصية أكثر من تمثيل هموم الموظفين. لم يُسجَّل له أي موقف قوي منذ انتخابه، ولم يُفتح أي ملف حقيقي يمس جوهر معاناة الموظفين، بل أصبح صوته أقرب إلى همس مُعطر يُجمّل قرارات الرئاسة ويُخدر غضب المتضررين.

إن ما يجري اليوم داخل مجلس النواب لم يعد مجرد خلل إداري أو ضعف في التواصل، بل أصبح نموذجاً صارخاً لكيف تتحول مؤسسات التمثيل الشعبي إلى ساحات لتصفية الحسابات السياسية، وتبادل الولاءات، في ظل غياب تام للشفافية والعدالة الإدارية. فهل يُعقل أن يكون موظف أفنى شبابه في خدمة المجلس، عاجزاً حتى عن توقيع قرض للسكن، لأن عقده لا يضمن له شيئاً؟ وهل يُعقل أن تصمت النقابة، التي من المفترض أن تدافع عنه، في وقت تُستهلك فيه المناصب في توظيفات حزبية لا علاقة لها بالكفاءة أو الاستحقاق؟

لقد آن الأوان لقول الحقيقة كما هي: مجلس النواب، في صورته الحالية، لم يعد يمثل النموذج الذي يُحتذى به في احترام الكرامة المهنية. والنقابة التي اختارت أن تكون ظلًّا مطيعاً للرئاسة فقدت آخر ما تبقى لها من مصداقية. والموظفون المتعاقدون، الذين يُركنون على الهامش في انتظار المجهول، يستحقون من ينقل صوتهم ويُشعل شمعة في هذا الظلام، لا من يُغرقهم في دخان “لبخور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى